فصل: الخبر عن ملوك طرابلس من بني خزرون بن فلفول من الطبقة الأولى وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ملوك طرابلس من بني خزرون بن فلفول من الطبقة الأولى وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم:

كان مغراوة وبنو خزر ملوكهم قد تحيزوا إلى المغرب الأقصى أمام بلكين ثم اتبعهم سنة تسع وستين وثلثمائة في زحفه المشهور وأحجرهم بساحل سبتة حتى بعثوا صريخهم إلى المنصور وجاءهم إلى الجزيرة مشارفا لأحوالهم وأمدهم بجعفر بن يحيى ومن كان معه من ملوك البربر وزناتة فامتنعوا على بلكين ورجع عنهم فتقرى أعمال المغرب وهلك في منصرفه سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة ورجع أحياء مغراوة وبنو يفرن إلى مكانهم منه وبعث المنصور الوزير حسن بن عبد الودود عاملا على المغرب وقدم سنة ست وسبعين وثلثمائة واختص مقاتلا وزيري ابني عطية بن عبد الله بن خزر بمزيد التكرمة ولحق نظراؤهما من أهل بيتهما الغيرة من ذلك فنزع سعيد بن خزرون بن فلفول بن خزر إلى صنهاجة سنة سبع وسبعين وثلثمائه منحرفا عن طاعة الأموية ووافى المنصور بن بلكين بأشير منصرفه من إحدى غزواته خلفاه بالقبول والمساهمة وبالغ في تكرمته وعقد له على عمل طبنة سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وخرج للقائه واحتفل في تكرمته وعقد له وأدركه الموت بالقيروان فهلك لسنته ووفد ابنه فلفول من مكان عمله فعقد له على عمل أبيه وخلع عليه وزف إليه ابنته وسوغه ثلاثين حملا من المال وثلاثين تختا من الثياب وقرب إليه مراكب بسروج مثقلة وأعطاه عشرة من البنود مذهبة وانصرف إلى عمله وهلك المنصور بن بلكين سنة خمس وثمانين وثلثمائة وولي ابنه باديس فعقد لفلفول على عمله بطبنة ولما انتقض زيري بن عطية على المنصور بن أبي عامر وسرح إليه ابنه المظفر كما قلناه فغلبه على أعمال المغرب ولحق زيري بالقفر ثم عاج على المغرب الأوسط ونازل ثغور صنهاجة وحاصر تيهرت وبها يطوفت بن بلكين وزحف إليه حماد بن بلكين من أشير في العساكر من تلكانة ومعه محمد بن أبي العرب قائد باديس بعثه في عساكر صنهاجة من القيروان مددا ليطوفت وأوغر إلى فلفول وهو بأشير أن يكون معهم ولقهم زيري بن عطية ففض جموعهم واستولى على معسكرهم واضطربت أفريقية فتنة وتنكرت صنهاجة لمن كان بجهاتها من قبائل زناتة وخرج باديس بن المنصور من رقادة في العساكر إلى المغرب ولما مر بطبنة استقدم فلفول بن سعيد بن خزرون ليستظهر به على حربه فاستراب واعتذر عن الوصول وسأل تجديد العهد إلى مقدم السلطان فأسعف ثم اشتدت استرابته ومن كان معه من مغراوة فارتحلوا عن طبنة وتركوها ولما أبعد باديس رجع فلفول إلى طبنة فعاث في نواحها ثم فعل في تيجس كذلك ثم حاصر باغاية وانتهي باديس إلى أشير وفر زيري بن عطية إلى صحراء المغرب ورجع على باديس بعد أن ولى على تاهرت وأشير عمه يطوفت بن بلكين وانتهى إلى المسيلة فبلغه خروج عمومته ماكسن وزاوى وغرم ومغنين فخاف أبو البهار إحن زيرى ولحق بهم من معسكره وبعث ياديس في أثرهم عمه حماد بن بلكين ورحل هو إلى فلفول بن سعيد بعد أن كان سرح عساكره إليه وهو محاصر باغاية فهزمهم وقتل قائدهم أبارعبل ثم بلغه وصول باديس فأفرج عنها واتبعه باديس إلى مرماجنة فتزاحفوا وقد اجتمع لفلفول من قبائل زناتة والبربر أمم فلم يثبتوا للقاء وانكشفوا عنه وانهزم إلى جبل الحناش ونزل القيطون بما فيه وكتب باديس بالفتح إلى القيروان وقد كان الارجاق أخذ منهم المأخذ وفر كثر منهم إلى المهدية وشرعوا في عمل الدروب بما كانوا يتوقعون من فلفول بن سعيد حين قتل أبا رعبل وهزم جيوش صنهاجة وكانت الواقعة آخر سنة سبع وثمانين وثلثمائة وانصرف باديس إلى القيروان ثم بلغه أن أولاد زيري اجتمعوا مع فلفول بن سعيد وعاقدوه ونزلوا جميعا فحصروا تبسة فخرج باديس من القيروان إليهم فافترقوا ولحق العمومة بزيري بن عطية ما خلا ماكسن وابنه حسنا فإنهما أقاما مع فلفول ورجع باديس في أثره سنة إحدى وتسعين وثلثمائة وانتهى إلى بسكرة ففر فلفول إلى الرمال وكان زيري بن عطية محاصرا لأشير أثناء هذه الفتنة فأفرج عنها ورجع عنها أبو البهار إلى باديس وقفل معه إلى القيروان وتقدم فلفول بن سعيد إلى نواحي قابس وطرابلس قاجتمع إليه من هنالك من زناتة وملك طرابلس على ما نذكره.
وذلك أن طرابلس كانت من أعمال مصر وكان العامل عليها بعد رحيل معد إلى القاهرة عبد الله بن يخلف الكتامي ولما هلك معد رغب بلكين من نزال العزيز إضافتها إلى عمله فأسعفه بها وولى عليها تمصولة بن بكار من خواص مواليه نقله إليها من ولاية بونة فلم يزل عليها إلى أن أرسل إلى الحاكم بمصر يرغب الكون في حضرته وأن يتسلم منه عمل طرابلس وكان برجوان الصقلي يستبد على الدولة وكان يغص بمكان يأنس الصقلي منها فأبعده عن الحضرة لولاية برقة ثم لما تتابعت رغبة تمصولة صاحب طرابلس أشار برجوان ببعث يأنس إليها فعقد له الحاكم عليها وأمره بالنهوض إلى عملها فوصلها سنة تسعين وثلثمائة ولحق تمصولة بمصر وبلغ الخبر إلى باديس فسرح القائد جعفر بن حبيب في العساكر ليصده عنها وزحف إليه يأنس فكانت عليه الهزيمة وقتل ولحق فتوح بن على من قواده بطرابلس فامتنع بها ونازله جعفر بن حبيب وأقام عليها مدة وبينما هو محاصر له إذ وصله كتاب يوسف بن عامر عامل قابس يذكر أن فلفول بن سعيد نزل على قابس وأنه قاصد إلى طرابلس فرحل جعفر عن البلد إلى ناحية الجبل وجاء فلفول ين سعيد فنزل بمكانه وضاقت الحال بجعفر وأصحابه فارتحلوا مصممين على المناجزة وقاصدين قابس فتخلى فلفول عن طريقهم وانصرفوا إلى قابس وقدم فلفول مدينة طرابلس فتلقاه أهلها ونزل له فتوح بن علي عن إمارتها فملكها وأوطنها من يومئذ وذلك سنة إحدى وتسعين وثلثمائة وبعث بطاعته إلى الحاكم فسرح الحاكم يحيى بن على بن حمدون وعقد له على أعمال طرابلس وقابس فوصل إلى طرابلس وارتحل معه فلفول وفتوح بن على بن غفيانان في عساكر زناتة إلى حصار قابس فحاصروها مدة ورجعوا إلى طرابلس ثم رجع يحيى بن علي إلى مصر واستبد فلفول بعمل طرابلس وطالت الفتنة بينه وبين باديس ويئس من صريخ مصر فبعث بطاعته إلى المهدي محمد بن عبد الجبار بقرطبة وأوفد إليه رسله قي الصريخ والمدد وهلك فلفول قبل رجوعهم إليه سنة أربعمائة واجتمعت زناتة إلى أخيه وروا بن سعيد.
وزحف باديس إلى طرابلس وأجفل وروا ومن معه من زناتة عنها ولحق بباديس من كان بها من الجند فلقوه في طريقه وتمادى إلى طرابلس فدخلها ونزل قصر فلفول وبعث إليه وروا بن سعيد يسأل الأمان له ولقومه فبعث إليه محمد بن حسن من صنائعه فاستقدم وفدهم بأمانه فوصلهم وولى وروا على نفزاوة والنعيم بن كنون على قسطيلية وشرط عليهم أن يرحلوا بقومهم عن أعمال طرابلس فرجعوا إلى أصحابهم وارتحل باديس إلى القيروان وولى على طرابلس محمد بن الحسن ونزل وروا بنفزاوة والنعيم بقسطيلية.
ثم انتقض وروا سنة إحدى وأربعمائة ولحق بجبال ايدمر فتعاقدوا على الخلاف واستضاف النعيم بن كنون نفزاوة إلى عمله ورجع خزرون بن سعيد عن أخيه وروا إلى السلطان باديس وقدم عليه بالقيروان سنة اثنتين وأربعمائة فتقتله ووصله وولاه عمل أخيه نفزاوة وولى بني مجلية من قومه على قفصه وصارت مدن الماء كلها لزناتة وزحف وروا بن سعيد فيمن معه من زناتة إلى طرابلس وبرز إليه عاملها محمد بن حسن فتواقعوا ودارت بينم حروب شديدة انهزم فيها وروا وهلك الكثير من قومه ثم راجع حصارها وضيق على أهلها فبعث باديس إلى خزرون وأخيه وإلى النعيم بن كنون وأمراء الجريد من زناتة بأن يخرجوا لحرب صاحبهم فخرجوا إليه وتواقعوا بعبرة ما بين قابس وطرابلس ثم اتفقوا ولحق أصحاب خزرون بأخيه وروا ورجع خزرون إلى عمله واتهمه السلطان بالمداهنة في شأن أخيه وروا فاستقدمه من نفزاوة فاستراب وأظهر الخلاف وسرح السلطان إليه فتوح بن أحمد في العساكر فأجفل عن عمله واتبعه النعيم وسائر زناتة ولحقوا جميعا بوروا بن سعيد سنة أربع وأربعمائة وتظاهروا على الخلاف ونصبوا الحرب على مدينة طرابلس.
واشتد فساد زناتة فقتل السلطان من كان عنده من رهن زناتة واتفق وصول مقاتل ابن سعيد نازعا عن أخيه وروا في طائفة من أبنائه وأخواله فقتلوا معهم جميعا وشغل السلطان بحرب عمه حماد ولما غلبه بشلب سنته وانصرف إلى القيروان بعث إليه وروا بطاعته ثم كان مهلك وروا سنة خمس وأربعمائة وانقسم قومه على ابنه خليفة وأخيه خزرون بن سعيد واختلفت كلمتهم ودس حسن بن محمد عامل طرابلس في التصريف بينهم ثم صار أكثر زناتة إلى خليفة وناجز عمه خزرون الحرب فغلبه على القيطون وضبط زناتة وقام فيهم بأمر أبيه وبعث بطاعته إلى السلطان باديس بمكانه من حصار القلعة فتقبلها ثم هلك باديس وولي ابنه المعز سنة ست وأربعمائة وانتقض خليفة بن وروا عليه وكان أخوه حماد بن وروا بضرب على أعمال طرابلس وقابس ويواصل عليه الغارة والنهب إلى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة فانتقض عبد الله بن حسن صاحب طرابلس على السلطان وأمكنه من طرابلس وكان سبب ذلك أن المعز بن باديس لأول ولايته استقدم مجمد بن حسن من عمله واستخلف عليه أخاه عبد الله بن حسن وقدم على المعز وفوض إليه أمر مملكته وأقام على ذلك سبعا وتمكنت حاله عند السلطان وكثرت السعاية فيه فنكبه وقتله وبلغ الخبر إلى أخيه فانتقض كما قلناه وأمكن خليفة بن وروا وقومه من مدينة طرابلس فقتلوا الصنهاجيين واستولوا عليها ونزل خليفة بقصر عبد الله وأخرجه عنه واستصفى أمواله وحرمه واتصل ملك خليفة بن وروا وقومه بنى خزرون بطرابلس وخاطب الخليفة بالقاهرة الظاهر بن الحكم سنة سبع عشر وأربعمائة بالطاعة وضمان السابلة وتشييع الرفاق ويحفظ عهده على طرابلس فأجابه إلى ذلك وانتظم في عمله وأوفد في هذه السنة أخاه حمادا على المعز بهديته فتقبلها وكافأه عليها.
هذا آخر ما حدث به ابن الرقيق من أخبارهم ونقل ابن حماد وغيره أن المعز زحف أعوام ثلاثين وأربعمائة إلى زناتة بجهات طرابلس فبرزوا إليه وهزموه وقتلوا عبد الله بن حماد وسبوا أخته أم العلو بنت باديس ومنوا عليها بعد حين وأطلقوها إلى أخيها ثم زحف إليهم ثانية فهزموه ثم أتيحت له الكرة عليهم فغلبهم وأذعنوا لسلطانه واتقوه بالمهادنة فاستقام أمرهم على ذلك وكان خزرون بن سعيد لما غلبه خليفة بن وروا على إمارة زناتة لحق بمصر فأقام فيها بدار الخلافة ونشأ بنوه بها وكان منهم المنتصر بن خزرون وأخوه سعيد ولما وقعت الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر وغلبهم الترك وأجلوهم عنها لحق المنتصر وسعيد بطرابلس وأقاما في نواحها ثم ولي سعيد أمر طرابلس ولم يزل واليا عليها إلى أن هلك سنة سبع وعشرين وأربعمائة وقال أبو محمد التيجاني في رحلته عند ذكر طرابلس: ولما قتلت زغبة سعيد بن خزرون سنة تسع وعشرين وأربعمائة قدم خليفة بن خزرون من القيطون بقومه إلى ولايتها فأمكنه منها رئيس الشورى وبها يومئذ من الفقهاء أبو الحسن بن المنتصر المشتهر بعلم الفرائض وبايع له وقام بها خزرون إلى سنة ثلاثين وأربعمائة بعدها فقام المنتصر بن خزرون في ربيع الأول منها ومعه عساكر زناتة ففر خزرون بن خليفة من طرابلس مختفيا وملكها المنتصر بن خزرون وأوقع بابن المنتصر ونفاه واتصلت بها إمارته انتهى ما نقله التيجاني.
وهذا الخبر مشكل من جهة أن زغبة من العرب الهلاليين وإنما جاؤوا إلى أفريقية من مصر بعد الأربعين من تلك المائة فلا يكون وجودهم بطرابلس سنة تسع وعشرين وأربعمائة إلأ إن كان تقدم بعض أحيائهم إلى أفريقية من قبل ذلك فقد كان بنو مرة ببرقة بعثهم الحاكم مع يحيى بن علي بن حمدون إلا أن ذلك لم ينقله أحد.
ولم تزل طرابلس بأيدي بني خزرون الزناتيين ولما وصل العرب الهلاليون وغلبوا المعز بن باديس على أعمال أفريقية واقتسموها كانت قابس وطرابلس في قسمة زغبة والبلد لبني خزرون ثم استولى بنو سليم على الضاحية وغلبوا عليها زغبة ورحلوهم عن تلك المواطن ولم تزل البلد لبني خزرون وزحف المنتصر بن خزرون مع بني عدي من قبائل هلال مجلبا على بني حماد حتى نزل المسيلة ونزل أشير ثم خرج إليهم الناصر ففر أمامه إلى الصحراء ورجع إلى القلعة فرجعوا إلى الاحلاف على أعماله فراسله الناصر على الصلح وأقطعه ضواحي الزاب وزيغة وأوعز إلى عروس بن سندي رئيس بسكرة لعهده أن يمكر به فلما وصل المنتصر إلى بسكرة أنزله عروس ثم قتله غيلة أعوام ستين وأربعمائة وولي طرابلس آخر من بني خزرون لم يحضرني اسمه واختل ملك صنهاجة واتصل فيهم ملك تلك الأعمال إلى سنة أربعين وخمسمائة ثم نزل بطرابلس ونواحيها في هذا العام مجاعة وأصابهم منه شدة هلك فيها الناس وفروا عنها وظهر اختلال أحوالها وفناء حاميتها فوجه إليها رجار طاغية صقلية أسطولا لحاصارها بعد استيلائه على المهدية وصفاقس واستقرار ولايته فيهما ووقع بين أهل طرابلس الخلاف فغلب عليهم جرجي بن ميخايل قائد الأسطول وملكها وأخرج منها بني خزرون وولى على البلد شيخهم أبا يحيى بن مطروح التميمي فانقرض أمر بني خزرون منها وبقي منهم من بقي بالضاحية إلى أن افتتح الموحدون أفريقية آخر الدولة الصنهاجية والملك لله وحده يؤتيه من يشاء من عباده سبحانه لا إله غيره.